رئيس جامعة طرابلس لبنان في ندوة فقهية دولية في تركيا عن الشبهات المعاصرة في القضايا الأسرية
رئيس جامعة طرابلس لبنان في ندوة فقهية دولية في تركيا عن الشبهات المعاصرة في القضايا الأسرية :
التلاعب بالثوابت في أحكام الشريعة الاسلامية
الغرّاء بدعوى التفاعل مع المواثيق الدولية المتغيرة بذاتها عبثٌ مفضوح ومرفوض لا صلة له بأصول الاجتهاد
الفقهي .
بدعوة من لجنة الأسرة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ترأس الأستاذ الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي -رئيس جامعة طرابلس لبنان – ندوة فقهية دولية بعنوان “رد الشبهات المعاصرة حول قضايا الأسرة”، وذلك في مقر اتحاد علماء تركيا (UMAD) ممثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تركيا بحضور نخبة كريمة من الفقهاء والعاملين في قضايا الأسرة في العالم الاسلامي وفي مقدمتهم أعضاء مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين والأمين العام للاتحاد العلامة الدكتور الشيخ علي محيي الدين قرداغي .
وقد أوضح ميقاتي أن أهداف الندوة تتمثل في:
1- تسليط الضوء على الشبهات المعاصرة المتعلقة بقضايا الأسرة، تمهيدًا لوضع الردود الفقهية اللازمة عليها.
2- تعزيز دور العلماء في التصدي للشبهات المعاصرة وتحصين فتاواهم من أفخاخ المسائل الجزئية التي تشكل -مجتمعة- منظومة تتوافق مع القانون الدولي، وتتصادم مع الشريعة الإسلامية؛
3- استصدار فتاوى موثقة من الاتحاد، تتصدى للشبهات التي تثيرها المواثيق الدولية، بهدف الحفاظ على مؤسسة الأسرة؛
4- الخروج بمقترحات لموضوعات بحوث لأقسام الدراسات العليا بالجامعات، وتوجيه الباحثين نحو عناوين معينة تتعلق بمآلات الشبهات المعاصرة؛
5- مناقشة الحلول الممكنة للمشكلات الموجودة على أرض الواقع الناتجة عن البعد عن الشرع الحنيف، والتي لها أثر في بروز الشبهات؛
6- تحصين الأسرة من آثار التشريعات الناشئة عن المواثيق الدولية؛
7- وضع نموذج قانون إسلامي للأسرة يكون مرجعية تشريعية لقوانين الأسرة في العالم الإسلامي
وقد أوضح ميقاتي عددًا من النقاط الهامة حول الثابت والمتغير بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية في مجال الأسرة،
على النحو التالي:
أولاً: إن الثابت والمتغير محسومٌ فقهاً لجهة الحدود الحاسمة بين الحلال البيّن والحرام البيِّن، وبين القطعي والظني، وبين ما كان ظنياً ثم ارتقى إلى القطعي بقوة الاجماع الثابت، أو كان قريباً من ذلك بقوة اتفاق المذاهب الفقهية الأربعة ذات الأصول المحررة على يد الأئمة الأعلام الذين وسع فقههم العالم أجمع على مدى قرون طويلة بكل متغيراتها الزمانية والمكانية وبشتى نوازلها.
ثانياً: خطورة محاولات تحويل الثابت إلى متغير وتجاوز الإجماعات، بدعوى التشكيك في ثبوتها رغم استفاضتها وشهرتها وتسامعها وتلقي الأمة لها بالقبول، ثم القيام بتجاوز المذاهب الأربعة التي تشكل الثروة الفقهية الحضارية الإسلامية النابضة بالحياة من الأندلس إلى الصين بدعوى الاجتهاد. فليس هناك اجتهادٌ بدون أصول فقه وبدون آلية اجتهاد معتبرة. ولا يكون الاجتهاد مقبولا إلا إذا صدر من
أهله وفي محله.
ثالثاً: لا يجب إنزال المواثيق الدولية منزلة الثوابت التي تفرض علينا تغيير الثوابت الشرعية. في حين أن المواثيق الدولية نفسها متغيرة في ذاتها، ولا أدلَّ على ذلك من المادة (16) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي حصرت الزواج بين الذكر والأنثى، وحددت سن الزواج بالسادسة عشرة، ثم توالت المؤتمرات والمواثيق من بعدها لتجعل ما يسمى بـ”هياكل الأسرة” متعددة من جهة، ثم لترفع سن الزواج إلى الثامنة عشرة من الجهة أخرى، معتبرة كل زواج دون هذا السن عنفاً ضد الطفل. ورغم أن المواثيق الدولية هي التي تعترف بالتعددية وبحق الشعوب في تقرير مصيرها وباحترام الخصوصيات الثقافية والدينية، إلا أنها تحرم الدول من استعمال حقها القانوني في التحفظ على ما يتعارض مع ثقافتها ودينها وأعرافها. إن ممارسة الإكراه من منظمة الأمم المتحدة على الحكومات والدول ذات الأكثرية الإسلامية، ثم الاذعان لذلك الإكراه يعد تحويلاً لكل الثوابت كما يعد عنفاً تشريعياً يطال شعوباً بالمليارات. إنه مما يحرم شرعاً ترك دفع المفسدة المحققة والانشغال بمصلحة متوهمة.
ومن الواجب ألا تقبل دول منظمة التعاون الإسلامي مجتمعة بتلك الإملاءات التشريعية من خلال موقف موحد منسجم مع دساتيرها وهويتها الثقافية وألا تستجيب للضغوط الدولية التي تطالبها بسحب تحفظاتها على المعاهدات الدولية.
رابعاً: إن البحث عن الثابت والمتغير في أحوال الأسرة، وإعادة تفعيل المقاصد المعتَبَرة شرعاً فيما استجد من متغيرات معاصرة يجب ألا يستبطن أبداً تطويع الثابت ليتماهى مع المتغير، سواء كان تاويلاً أو تفريغاً من محتواه الذي جُعل له بقوة النص وبقوة القطع وبقوة قبول الأمة المعصومة بمجموعها حيث “لا تجتمع أمتي على ضلالة” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغير ذلك يكون العدوان على حدود الله التشريعية من حيث ندري أو لا ندري.
وحرصا على المقاصد وفقه المآلات، يجب أو تولى الأهمية للنظر في مآلات التعديلات التي يتم إقرارها في البرلمانات بضغط التعقيدات الحياتية الداخلية تارة أو بضغط الإخضاع الأممي تارة أخرى. خاصة بعد أن اتضحت مقاصد المواثيق الدولية التي أنتجتها تيارات الأنثوية المتطرفة، والتي تعسفت في فرض منظومة غلب عليها تحليل الحرام وتحريم الحلال بعناوين مفخخة المضامين، والدعوة الصريحة إلى تغيير الثوابت تحت طائلة التقاضي الدولي والعقوبات الاقتصادية.
خامساً: الأولوية في البحث المعاصر منعقدة للعناية بمساحة المتغير الواسعة أولى لا في تغيير ما هو ثابت. فالواجب هو العناية بالمصالح المرسلة في مجال إعادة تنظيم السلطة القضائية وتطوير أصول المحاكمات والقضاء المستعجل وأصول الإثبات والتبليغ الالكتروني وإجراءات التنفيذ والوسائل البديلة لحل المنازعات وتقنيات الوساطة والتوفيق والاصلاح والتحكيم بما يضمن العدالة السريعة والأمن الأسري.
سادساً: إن حفظ الدين والنفس والعقل مقدم على حفظ المال باتفاق الفقهاء، والحفاظ على شرائع الإسلام لا يجب أن يتم التنازل عنه حتى لو تسبب في تعرضنا للعقوبات جائرة -على فرض إيقاعها علينا أمميا- ألم يحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاب مكة.. أم أننا نغفل في كثير من الأحيان عن هذه السيرة النبوية المباركة، ونجعلها مجرد تاريخ نبوي سردي للأحداث؟ أليس ديننا وأعراض نسائنا ورجالنا وأبناءنا أغلى من أي مساومات مفروضة بقوة الهيمنة اللادينية الأممية؟ أليس من حقنا حفظ الثوابت بقوة التمسك بالدساتير المقدم احترامها على المعاهدات الدولية؟
لماذا نتكلم عن التكيف ولا نتكلم عن التكييف، ولا نبرز النموذج التشريعي الاسلامي المتكامل بدلا من تحمل أوزار سلسلة من الفتاوى الفقهية المرجوحة التي تشكل فوضى فقهية لا تسمن ولا تغني من جوع، ثم يتم الإيحاء بأن العائق هو الثوابت، في حين أنها ضمانات البقاء الاجتماعي في زمن يجري الكلام فيه عن الجندر بصورة طافحة تهدد بانقراض المجتع بسبب تهافت ذلك المصطلح الدخيل
وقد صدر عن الندوة توصيات هامة