بعون الله وتوفيقه، نظَّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة طرابلس ندوة علمية بعنوان: “استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم: الفرص الممكنة والتحدّيات المفروضة”، قدّمها مستشار مدير عام التعليم العالي الخبير التربوي البرفسور بيار جدعون، وذلك على مسرح الجامعة صباح يوم الثلاثاء الواقع في 25 تشرين الثاني 2025، بحضور سعادة رئيس الجامعة البروفسور الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور محمود درنيقة، وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الأستاذ الدكتور عبدالجواد حمام، وعميد كلية إدارة الأعمال الدكتور خالد كمال الدين، وعميد كلية التربية الأستاذ الدكتور علي الجمل، والمدير العام لثانوية الإصلاح الإسلامية الأستاذ محمد خالد الميقاتي، وحشدٍ من أفراد الهيئتين الإدارية والتعليمية في الجامعة وثانوية الإصلاح الإسلامية، ولفيفٍ من طلاب الجامعة والثانوية.
استُهِلّت الندوة بتلاوة عطرة من القرآن الكريم تلاها الأستاذ علاء مرعي، أعقبها تقديمٌ ترحيبيّ من عريف الندوة الدكتور عماد غنوم الذي أضاء في كلمته الافتتاحية على أهمية موضوع الذكاء الاصطناعي في الحقل التربوي، مؤكّدًا أنّ الجامعات الرصينة لا بدّ أن تكون في قلب التحوّلات الرقمية، لا على هامشها.
بعد ذلك، قدّم الضيف الدكتور بيار جدعون محاضرته الرئيسة، حيث بدأ بتعريف تقنيات الذكاء الاصطناعي وشرحٍ موجزٍ لتطوّرها التاريخي، ثم بيّن الفروق بين الأنماط المختلفة لهذه التقنيات، ولا سيما الذكاء الاصطناعي التوليدي والتطبيقات التعليمية التفاعلية، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا معرفيًا بل أصبح جزءًا من البنية التحتية للعملية التعليمية المعاصرة.
وتحدّث الدكتور جدعون عن أبرز وظائف الذكاء الاصطناعي في التعليم، ومنها:
تصميم محتوى تعليمي متكيّف مع حاجة المتعلّم ووتيرة تقدّمه.
مساعدة المعلّم في إعداد خطط دروس واختبارات متنوّعة تراعي الفروق الفردية.
توفير أدوات تصحيح آلي تسهّل على الأساتذة تتبّع أداء الطلاب وتحسين مخرجات التعلّم.
إتاحة منصّات ذكية للدعم الأكاديمي الفوري، تمكِّن الطالب من المراجعة والتدرّب خارج الصف.
كما أشار إلى كيفية استخدام هذه التقنيات بكفاءة عالية في إنتاج مواد تعليمية تفاعلية، تجمع بين النص والصوت والصورة والمحاكاة، بما يعزّز دافعية الطالب للتعلّم، ويرتقي بجودة العملية التعليمية إذا أحسنّا توظيفها ضمن رؤية تربوية واضحة وأخلاقية.
في المقابل، حذّر الدكتور جدعون من السلبيات المرافقة لهذه التقنيات، ومن الأخطار المحدقة بالإنسانية في حال تعطيل العقل البشري الناقد والاعتماد الكلّي على الذكاء الاصطناعي، موضحًا أن أخطر ما في الأمر ليس وجود الأداة بل غياب الوعي في استخدامها، وأن تحوّل الطالب إلى “مستهلك جاهز للأجوبة” يهدّد مهاراته في التحليل والاستنباط والحوار. كما تطرّق إلى قضايا مرتبطة بـ:
الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في إنجاز الأبحاث والوظائف.
إشكاليات الأصالة العلمية والانتحال الأكاديمي.
حماية الخصوصية والبيانات الشخصية للطلاب.
وأكد أن دور المعلّم والمربّي سيبقى محوريًا، وأن الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا بديلًا عن المعلّم، مشدّدًا على ضرورة تنمية مهارات التفكير النقدي، والوعي الرقمي، والأخلاقيات المهنية لدى الطلاب والهيئات التعليمية على حدّ سواء.
كما عرض الدكتور جدعون عددًا من التطبيقات التعليمية العملية للذكاء الاصطناعي، مبيّنًا كيف يمكن أن تسهم في مساعدة الباحثين والأساتذة والطلاب في البحث العلمي، وتحليل البيانات، وبناء بنوك أسئلة، وتصميم منصّات تعلّم إلكترونية أكثر فاعلية وانفتاحًا على احتياجات المتعلّمين.
ثم قدّم المدير العام لثانوية الإصلاح الإسلامية الأستاذ محمد خالد الميقاتي مداخلةً ناقش فيها أفضل السُّبل لتوظيف الذكاء الاصطناعي كمساعد للطلاب في حلّ الفروض والمهام المدرسية من دون أن يتحوّل إلى وسيلة غشّ أو إضعاف لقدراتهم العقلية، فطرح تساؤلات عملية حول الحدود الفاصلة بين “المساعدة المشروعة” و”الاستبدال الكامل لجهد الطالب”، وبيّن حاجة المدارس إلى وضع سياسات واضحة للاستفادة من هذه التقنيات ضمن إطارٍ تربوي وأخلاقي منضبط.
وقد تفاعل الدكتور بيار جدعون مع هذه المداخلة، فبيّن الطريقة المثلى لاستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الطلاب، مقترحًا:
تشجيع الطلاب على استخدام هذه الأدوات في التفكير، والتخطيط، وجمع الأفكار لا في نسخ الأجوبة الجاهزة.
تدريبهم على مراجعة مخرجات الذكاء الاصطناعي بنقدٍ وتمحيص، لا بقبولٍ أعمى.
إدماج مهارات “الوعي بالذكاء الاصطناعي” في المناهج، بحيث يعرف الطالب حدود التقنية كما يعرف إمكاناتها.
وفي ختام الندوة، قدّم رئيس جامعة طرابلس البروفيسور الدكتور رأفت الميقاتي كلمةً أكّد فيها أنّ جامعة طرابلس، وثانوية الإصلاح الإسلامية، وسائر المؤسسات الأكاديمية والتربوية التابعة لجمعية الإصلاح الإسلامية، تحرص على تمكين طلابها من مهارات القرن الحادي والعشرين، وفي مقدّمتها المهارات الرقمية ومهارات التفكير النقدي والتعلّم الذاتي، ومساعدتهم على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعليمهم الجامعي والمدرسي، وفي مسيرتهم المهنية لاحقًا في سوق العمل.
وأشار إلى أن الجامعة تعمل على دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية من خلال:
تشجيع الأبحاث العلمية التي تتناول الذكاء الاصطناعي في خدمة التعليم والمجتمع.
تنظيم الدورات التدريبية وورش العمل للأساتذة والطلاب حول الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات.
تطوير شراكاتٍ مع المدارس والمؤسسات التربوية الشريكة، وفي طليعتها ثانوية الإصلاح الإسلامية، لبلورة نماذج تطبيقية ناجحة في الصفّ والبيئة التعليمية.
وشدّد البروفيسور الميقاتي على أن هذا كلّه يتمّ ضمن رؤية حضارية إسلامية تُعلي من شأن الأخلاق والقيم في التعامل مع التكنولوجيا، وترسِّخ في وعي الطالب أنّ الإنسان المكلَّف، بعقله وضميره، هو الحَكَم على الأدوات التي بين يديه، وأن التقنيات – مهما بلغت من تطوّر – يمكن أن تكون سبيلًا إلى الخير أو إلى الشر، تبعًا لمن يوجّهها وكيفية استخدامها.
وختم كلمته بالتأكيد على أنّ جامعة طرابلس ستظلّ منفتحةً على كل جديدٍ نافع، ثابتةً في الوقت نفسه على أصولها العلمية والإنسانية والرسالية، ساعيةً إلى أن تكون نموذجًا في التكامل بين المعرفة المعاصرة والقيم الراسخة.
وفي ختام الندوة، قدّم رئيس الجامعة البروفيسور الدكتور رأفت الميقاتي درعًا تقديريًا باسم جامعة طرابلس إلى الضيف الدكتور بيار جدعون، تقديرًا لجهوده التربوية، وشكره على ما قدّمه من طرحٍ علمي عميقٍ وإضاءاتٍ مهمة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في التعليم، ثم التُقطت الصور التذكارية مع الضيف والحضور.

شارك هذا الخبر!

شارك هذا الخبر!

يمكنكم التواصل معنا من خلال هذا النموذج

أرقام وإنجازات الجامعة

0
سنة من الخبرة
0
كليات
0
خريج
0
فريق العمل الإداري والأكاديمي
0
برنامج أكاديمي
اعتماد ACQUIN
جودة ومعايير أوروبية